لا نستغرب عندما
نجلس في أحد الأماكن العامة ونجد أحدهم يتلقف الصحيفة بحماس و بحركة روتينية
يستثني الملحق الاقتصادي و يتابع التصحف فنجد الطاولات متكدسة بالملاحق
"البرتقالية" ، و كأنها تكتب بلغة أخرى مغايرة لبقية الصحيفة . قدة تكون
الصحافة الاقتصادية لها لغتها الأخرى فعلاً و التي تستقطب القلة القليلة من
المثقفين و المهتمين بالاقتصاد ممن يجيدون التكلم بالأرقام و الإحصائيات و يدركون
بعمق معنى المصطلحات الاقتصادية ، لكن ماذا فعلت الصحافة الاقتصادية لكسر هذا
الحاجز بين غموضها و أعين القراء اللامبالية و ما هي الأدوات التي
يلجأ إليها المحرر لتبسيط المعلومة قبل عرضها و
ماذا تحتاج النشرة الاقتصادية لتكون سلسة و تكسر جمودها الرتيب وتحاكي
عامة"القراء" ..
جميعها تساؤلات
طرحناها في لقاء مع الصحفي الأستاذ \علي محمد جعفر الصباغ مستفيدين من خبرته
العلمية كخريج إعلامي بالإضافة إلى مهارته العملية في مجال التحرير الصحفي
الاقتصادي حيث شغل منصب محرر صحافي للأخبار الدولية والاقتصادية من العام 2003 حتى
الآن في عدة صحف منها الوسط والأيام ولا يزال
يعمل في الأخيرة.
الأستاذ علي الصباغ
هل تلعب الصحافة دوراً إيجابياً في تثقيف القارئ اقتصاديا
؟
لا شك أن الصحافة الاقتصادية تلعب
دوراً كبيراً في تثقيف القارئ من الناحية الاقتصادية، وذلك لأن الاقتصاد هو العلم
الاجتماعي الذي يهتم بتحليل الأنشطة التجارية، وبمعرفة كيفية انتاج السلع والخدمات،
وذلك عن طريق الإخبار والإعلام والاستعراض التحليلي، ونجد ذلك جلياً بصورة وأخرى
في الصحافة الاقتصادية.
كما أن
الأخبار التي تسوقها الصحافة الاقتصادية تعطي مؤشرات ودلالات بشأن مسار الاقتصاد
والحركة التجارية. ونجد أن كثيراً من أصحاب الأعمال والمؤسسات الصغيرة والكبيرة
والمتوسطة يحرصون على مطالعة الصحافة الاقتصادية رغبة في معرفة الجديد فيما يتعلق
بالأنشطة الاقتصادية، نحو: المناقصات، والمشروعات الجديدة، والقرارات الجديدة،
وغير ذلك.
هل استطاعت الصحافة كسر الحاجز مع القارئ لهضم المادة الاقتصادية
والتفاعل معها؟
لا أعتقد أن الصحافة
الاقتصادية وفقت كثيراً في كسر الحاجز بينها وبين الجمهور، فلا يزال قراء الصحافة
الاقتصادية هم القراء المهتمون وليس جميع القراء.
ماذا تقصد بالمهتمين تحديداً؟
أقصد بالقراء المهتمين: الاقتصاديين والعاملين في قطاعات قريبة من المادة
التي تنشر في الصحافة الاقتصادية، مثل المصرفيين والصناعيين ورجال الأعمال ومن
أشبههم.
هل
هناك بعض المحاولات في هذا الإطار؟
لقد شهدنا محاولات لجعل الصحافة الاقتصادية في البحرين مادة قابلة لقراءة
عامة الناس، مثل كتابات فاطمة الحجري في صحيفة أسواق الأسبوعية، لكنها لم تعدو أن
تكون محاولات فردية لربما تعود لطبيعة تكوين الصحفية فاطمة الحجري التي تمرست على
صوغ التحقيقات الصحفية. وكلن لا يزال كثير من الناس يقفزون على صفحات الاقتصاد لمطالعة
الصحيفة.
لماذا لا زالت الصحافة الاقتصادية البحرينية تعتمد على التكرار
و النقل و تهمش التحليل و النقد؟
لعل ضعف التحليل والنقد يعود لعدة أسباب أهمها أن نقد المؤسسات المعلنة
يفقد الصحيفة الإعلانات التجارية التي تعد أهم إيرادات الصحف، فلا يمكن أن تنتقد
أحد البنوك في مقالة أو خبر غالباً لأنه سيمتنع عن نشر إعلانه في صحيفتك.
لكن غياب التحليل اليس نتيجة لضعف قدرات الصحفيين الموجودين الحقل
الاقتصادي؟
من بين الأسباب ضعف تكوين الصحفيين الاقتصاديين، وافتقارهم لأدوات التحليل،
فالتعامل مع المادة الاقتصادية يتطلب بعض المهارات في تحليل الأرقام واستنطاقها
للانتهاء إلى حقيقة أو مؤشر ما، وذلك ما لا يتوافر عند جميع الصحفيين.
ومن المؤسف أن الصحف لا تنظم دورات تأهيلية للصحافيين الاقتصاديين فتترك
الصحافي يشق طريقه بنفسه، وسيكون هذا الصحافي محظوظاً إذا وجد من يعينه على معرفة
معاني بعض المصطلحات الاقتصادية أو أن يعلمه كيفية تحليل الحسابات والبيانات
والأرقام الرسمية.
ومن الأسباب التي لا تساعد على بروز التحليل والنقد أن كثيراً من المسؤولين
في الصحف نفسها لا يشجعون ذلك لعدة اعتبارات كالمصالح الشخصية أو خوفاً من لوم
فلان أو زعل فلان، أو لطبيعتهم الاستبدادية فلا يسمحون للإبداعات بأن تظهر وتتخلق.
أضيفي إلى ذلك أن غياب المحفزات والرواتب المجزية والتشجيع يجعل من الصحافي
قليل الاهتمام بجودة المادة الصحفية ورصانتها، ولذلك فهو يميل غالباً إلى إنجاز
المادة على أي نحو جاءت.
لماذا تفتقر الصحف البحرينية لوجود خبراء اقتصاديون في اقسام
التحرير؟
بالفعل لا نجد حضوراً للخبراء بوصفهم منتجين للمادة الصحفية المنشورة في
الصفحات الاقتصادية، إلا على هيئة بعض المقالات اليتيمة والقليلة في الوقت نفسه،
وسبب ذلك ضعف الأجور والمحفزات المالية لقاء المشاركة والكتابة.
فعند انطلاقة
صحيفة الوطن اليومية في البحرين – على سبيل المثال - استكتبت خبراء اقتصاديين لكن
سرعان ما توقفوا عن الكتابة بعد أن لجأت الصحيفة لتقليص النفقات والاستغناء عن بعض
الأقلام وفي مقدمتها أقلام الاقتصاديين الخبراء.
ولذلك فإننا نجد أن هؤلاء الخبراء أنفسهم يكتبون في صحف أخرى كصحيفة
الاقتصادية السعودية أو بعض الصحف الإماراتية.
هل تعتبر النشرة الاقتصادية متلقية للخبر أم صانعة للخبر
في هذا الوقت؟
الصفحات الاقتصادية ليست صانعة
محضة وليست متلقية محضة، هنالك مساحات من الاصطناع والإنتاج والإبداع في الصفحات
الاقتصادية، وذلك ليس أمراً نكراً.
ولكن، وبكل أسف لا زالت مساحة التلقي هي الطاغية، ولا يزال الاعتداد بالخبر
الرسمي اعتداداً كبيراً، وخصوصاً في طور الركود الاقتصادي، وأعني بطور الركود هو
ضعف النشاط التجاري والاقتصادي بسبب الأزمات المالية والاقتصادية والسياسية.
هل نمتلك صحافة اقتصادية تستطيع مواكبة ما نتطلع اليه من
نمو اقتصادي؟
لا، أعتقد أن نمتلك صحافة
تضارع ما نتطلع إليه من نمو، لكن ينبغي أن نتنبه إلى أن الصحافة الاقتصادية تزدهر
مع ازدها النشاط الاقتصادي والتجاري وتضمر مع ضموره.
والدليل على ذلك أننا رأينا ملاحق اقتصادية فترة الطفرة الاقتصادية التي
بدأت في العام 2003 إلى نهاية العام 2008، فخلال هذه الفترة ظهرت صحف جديدة،
وملاحق اقتصادية كان أولها ملحق الأيام الاقتصادي في العام 2004، ورأينا صفحات
متخصصة في الملاحق تحت رعاية شركات، مثل: طيران الخليج، وسوليدرتي، وبتلكو وغيرها
من الشركات. إن النمو الاقتصادي يستتبع ازدهاراً في الصحافة الاقتصادية.
كيف تستطيع الصحيفة زيادة القابلية على الملاحق الاقتصادية
والتأثير على الرأي العام؟
هنالك نوعان من الجمهور
للصحافة الاقتصادية: جمهور المتخصصين، والجمهور العام.
ولجذب جمهور المتخصصين تحتاج الصحف إلى العمل على إنتاج مواد اقتصادية
معمقة ورصينة لا تعطي أرقاماً مجردة بل تحليلات وآراء، وذلك لا يتأتى إلا بتدريب
الصحافيين الاقتصاديين على أساليب العرض والتحليل العلمي، بالإضافة إلى الاستعانة
بالخبراء الذين تمثل تحليلاتهم قيمة لدى القراء المتخصصين مثلما نجده في صحيفة
الاقتصادية السعودية مثلا.
أما جذب الجمهور العام، فيتطلب إنتاج المواد الاقتصادية بطريقة ملفتة
وسهلة، وبلغة جاذبة على أن تتعلق بحياة الناس وتمس احتياجاتهم اليومية، كأخبار
الأسعار، والبضائع، وزيادة الأجور، والفرص الوظيفية وما أشبه، ولعل المطلب الثاني
أصعب من الأول لأنه يتطلب إبداعاً سهلاً ممتنعاً، وهو ما لا يتوافر لدى جميع
الصحافيين.
كيف تستطيع كصحفي
ان تكسر حاجز التكتم على المعلومات في المؤسسات التي ما زالت بياناتها الاعلامية مبهمة؟
إن التكتم على المعلومات من
المعضلات التي يوجهها الصحافي وخصوصاً الصحافي الاقتصادي، فلا تزال وزارة كوزارة
المالية على سبيل المثال حصناً حصيناً لا يستطيع الصحافي دخولها أو النشر عنها لأن
المعلومات محجوبة عنه إلا ما ندر وندر.
ومن أساليب كسر الحاجز أحياناً هو استفزاز المؤسسة أو
الطرق الالتفافية كاللجوء إلى النواب. ومن غير المستغرب أن الأخبار التي تنشر على
لسان وزير المالية في صفحات البرلمان مثلاً أكثر منها بكثير من الأخبار التي تنشر
على لسانه في صفحات الاقتصاد.
كيف تساهم كصحفي في تبسيط المعلومات الاقتصادية
المعقدة للقارئ؟
ذلك أمر سهل في ظاهره، صعب في
حقيقته وعند معاينته، وذلك لأن الصحافة الاقتصادية مليئة بالأرقام والمصطلحات
المعقدة، فغالبية الناس لا يعرفون المعنى الدلالي والاصطلاح لكلمات، مثل: سيولة،
وتضخم، ورأس مال صادر أو رأس مال مدفوع أو الملاءة المالية.
وكثير من الناس - ومنهم بعض الصحافيين – لا يعرفون الفرق
بين الكساد والركود من الناحية الاصطلاحية، فيعبرون عن تراجع ما بأنه كساد وحقيقة
الحال يعد تراجعاً ملحوظاً بالنظر إلى نسبة التراجع.
على أية حال تبسيط المعلومات يتطلب فهماً دقيقة للموضوع
وتمكنا من عنان اللغة لاستخدام المفردات الأسهل التي تعطي المعنى الدقيق.
لماذا نفتقر إلى الصحافة و القنوات الاقتصادية
المتخصصة كالصحافة و القنوات الرياضية و الفنية و غيرها؟
أعتذر لأنني لم أفهم السؤال،
اقصد الافتقار إلى الصحافة والقنوات الاقتصادية في
مقابل وفرة الصحافة والقنوات الرياضية ...
الناس بطبيعتهم يميلون إلى اللهو والترويح، وذلك ما
يجدونه في الرياضة وصحافة المنوعات وذلك أمر يحتاج إلى تأمل ومراجعة لأن تقدير
المعيشة والاقتصاد مسألة مهمة في حياة كل فرد، لكننا لا نعطيها الاهتمام المطلوب.
ايهما افضل برأيك ان تسعى المؤسسة الاعلامية لتوظيف
طلاب صحافة أم طلاب اقتصاد ؟
طلاب الاقتصاد غالباً لن يستهدفوا الصحافة، بل سيسعون
إلى الحصول على وظائف ذات مردود مالي عالي في المؤسسات المالية والاستثمارية
والوزارات.
وأرى أن الأولى على كل حال توظيف طلبة صحافة، وتدريبهم على فنون ومهارات
العرض والتحليل والتفسير للمواد الاقتصادية، لأن العكس قد يجعل من المواد الناتجة
مواد مشوهة حيث ستفتقر بلا شك لروح الصحافي.
و أيهما
أهم الخلفية و الثقافة الاقتصادية أم القدرة التحريرية؟
لا يكمن أن نركز على خيار واحد وندير ظهورنا للخيارات الأخرى، وكما يقال في
المنطق: إثبات الشيء لا ينفي ما عداه، فإذا كانت القدرة التحريرية أمراً مهماً،
فذلك لا يعني أن الثقافة الاقتصادية غير مهمة، بل هي مهمة أيضاً.
لكن الأساس هو صنعة الصحافة ثم تتبعها الخلفية والثقافة الاقتصادية.
ما دور المؤسسات الاعلامية في تفعيل الصحافة الاقتصادية المتخصصة
و اخراج طاقم صحافي متخصص ؟
أرى أن التدريب من أهم الأمور المهمة والمهملة في الوقت نفسه في المؤسسات
الإعلامية، فإذا ما أردنا تخريج طواقم صحافية على مستوى عال فلا بد من الإنفاق
عليها بسخاء تدريباً وتأهيلاً.