الأحد، 2 يونيو 2013





«السجينة» من بهو البلاط إلى ما وراء القضبان..
 



مليكة أوفقير روائية مغربية. امتهنت الكتابة لتبارز ذكرياتها و تفوز على الألم و الخذلان .. و تظهر للعالم بقلمها الصارخ في وجه الموت و القيد و الظلم،  بعد أن دفنوا أحياءً في حفرة بهيئة زنزانة  ، هي مع والدتها و أخوانها و أخواتها و هم عبداللطيف , مريم(ميمي) , ماريا , سُكيْنه و رؤوف .

تبدئ روايتها المثيرة كإبنة مدللة للجّنرال محمد اوفقير الذّي كان وزير الدّاخلية المغربي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ثم تنتقل للجناح الملكي لتترعرع في مصاف الأميرات بعد أن تبناها الملك محمد الخامس و هي في الخامسة من عمرها و عاملها كإبنة له . حيث فضحت الكثير من الأسرار خلف أسوار قصور ألف ليلة و ليلة و التفاصيل الصغيرة للتقاليد الملكية بحكم نشأتها في قصر الملك مع بناته و بحكم العلاقة الوطيدة التي تجمع والدتها فاطمة بزوجات الملك و قرب والدها من الملك بصفته اليد الأولى له و محط ثقته .

″..(( فيما بعد أصبح كلّ شيء بالنّسبة لي ضبابيّا,غير مفهوم,وكأنني ضحيّة عمليّة اختطاف,أتذكّر أمّي وهي تغادر القاعة فجأة دون سابق إنذار,أخذوني ووضعوني في سيارة نقلتني مباشرة إلى فيلا لاله ياسمينه (..) ,قادتني بقوّة إلى غرفة ودورّت قفل الباب مرتين,بكيت كثيرا طوال اللّيل, لم يكلمني والديّ طوال هذه الفترة,إن كانت هناك أسئلة عن ظروف إقامتي الجّديدة فلقد نسيتها,هل بكت أمّي إلى حين طلوع الفجر كما فعلت أنا؟,هل فتحت باب غرفتي من حين إلى حين؟,تشمّ رائحتي من ملابسي,تجلس على سريري,يثقلها الصّمت والضّجر أثناء غيابي؟"

و فجأة يحدث الإنقلاب على يد والدها سنة 1972 و بعد فشله لم يسقط إلا تاج عزها و دلالها في منحدر الضياع و مفترق الطرق بين القصور و الزنازين.. و من أحضان الملك إلى سطوته و انتقامه .. هكذا بين ليلة و ضحاها يأمر بقتل والدها و ارسال زوجته و اولاده الستة بما فيهم مليكة بدون محاكمة إلى سجن مجهول ومخيف في الصّحراء, في ظروف قاسيّة ولا إنسانيّة, قضت مليكة اوفقير وعائلتها ما يقارب 19 سنة حياة التّنكيل, المعاملة القاسيّة, الحرمان في أدنى درجاته اللاانسانيّة, في زنازين ضيّقة,باردة,تسكنها فئران وعقارب,حاولت الفرار مع أحد إخوتها و اثنان من أخواتها البنات في ظروف متلبسة ونجحت في الهروب لتوثق مأساتها و تنشر للإعلام حكايتها حيث ضغطت السلطة الفرنسية على الملك لإطلاق سراح عائلتها جميعهاً ليوضعوا تحت الإقامة الجبرية في فيلا بمراكش.. لتبدأ قصة أخرى من القيود المتربصة بهم و العيون الملاحقة لهم.




إنها مليكة أو شهرزاد الجديدة كما أطلق عليها.. من حولت مأساتها إلى رواية تنبش جروح يغص بها المجتمع الشرقي المتستر على سجون مفتقدة لإدنى درجات الرحمة والإنسانية.. كتبت بكل الحب و الصدق و الألم عن هاوية هبطت لها بقدمان بريئتان من الإثم و التواطؤ فقد كانت جريمتها و عائلتها هو لقبهم فقط..

إنها لمفارقة عجيبة تدفعك لقراءة هذه الرواية أن تعيش مدللاً في حجر والداك ثم تسرق و تقاد لبلاط الملك كأسير لرغباته ليضمك لمصاف " حرمه و عياله" كالمخطوف من حنان العائلة إلى برود الأسوار الشاهقة و الحياة الرتيبة الباذخة بالضجر و الترف! ثم فجأة تجد نفسك معزولاً عن العالم في ظلام البؤس تعايش ظلما يقودك للجنون أو الموت لولا إيمانك بالحياة و تمسكك بالأمل .. فأي عقل يستطيع أن يستوعب هذا الكم من الألم و أي قلب يستطيع أن يصمد في أرجوحة القدر.


مقاطع مرتبطة


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق